مراجعات فيلمية

فيلم «صراط» لـ أوليفر لاكس .. البقاء على جسرٍ بين الجنة والنار

جدة ـ «سينماتوغراف» : إنتصار دردير

ضمن العروض الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الخامسة، يبدأ فيلم (صراط،  Sirât) للمخرج الإسباني الفرنسي أوليفر لاكس، بمكبرات صوت ضخمة تُجهّز لحفلة صاخبة صحراوية في المغرب.

تُشكّل هذه الحفلات الموسيقية الضخمة بوتقة مثالية للانصهار بين الناس، حيث يستمتعون بأروع أوقات حياتهم، ويمرّ آخرون بأسوءها. يتعاطون أنواعًا مختلفة من المخدرات، ويستمتعون بالهدوء. أغنياء وفقراء، شباب وكبار. وهناك دائمًا من لا ينتمون إلى هذا المكان، ومنهم لويس (سيرجي لوبيز) وابنه إستيبان (برونو نونيز). هما هناك في محاولة للعثور على ابنته المفقودة منذ خمسة أشهر.

لم يرَها أحد، لكن مجموعة من رواد الحفلات تُخبرهم عن حفل صاخب آخر قريبًا قد تكون فيه، وعندما يتم إخلاء المنطقة، يقرر لويس أن يتبعهم إليها.

كتجربة حسية، يُعد فيلم “صراط” تجربة مذهلة. موسيقى راي عالية الصوت بما يكفي لتشعر بصدى الصوت في عظامك وهو يرتدّ عن المنحدرات الصخرية المحيطة بموقع الحفل.

ومع تحول العمل إلى فيلم طريق، يأسرك لاكس في منظور الشخصيات بإحكام لدرجة أنه قادر على سحب البساط من تحتك بنجاح، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل ثلاث مرات، بمفاجآت حقيقية تجعلك تجلس منتصبًا في مقعدك من رعب وصدمة شديدين.

لكن مشكلة هذه المفاجآت هي أن كل واحدة منها تُغيّر مسار الفيلم تمامًا، وتُضفي هذه الأحداث لحظاتٍ حماسيةً وعاطفيةً مثيرةً.

يُشير النص الافتتاحي للفيلم إلى الصراط كجسرٍ بين الجنة والنار، وتنتهي رحلة لويس ورفاقه بالبقاء على هذا الجسر، يدورون في دوائر، دون أن يُحرزوا أي تقدم.

هذه هي النقطة تحديداً، بالطبع. بعد الخروج من طريق الإخلاء من الحفلة الصاخبة، يُغلق الشخصيات الأخبار دائماً كلما ظهرت على الراديو، مُفضلين التركيز على أهدافهم الشخصية بدلاً من المخاطر الأكبر في العالم من حولهم. إنهم عالقون في نوعٍ من النسيان من صنع أيديهم، يبحثون بلا نهاية عن شيءٍ لن يجدوه أبداً.

للأسف، لا يتمتع رواد الحفلة الصاخبة بشهرة لويس، رغم الوقت الذي يقضيه معهم. يتمتع الممثلون، وجميعهم غير محترفين، بكاريزماٍ كبيرة، ومشاهدتهم آسرة. ومع ذلك، بالكاد يتعرف الحمهور عليهم، مما يجعل التواصل معهم صعبًا مثلما يكون التواصل مع لويس وإستيبان.

لا نعرف ما الذي يبحثون عنه سوى الحفلة الراقصة التالية، ولا يُناقش سبب شغفهم بثقافة الحفلات الراقصة أصلًا. يعاملهم لاكس كقطع شطرنج أكثر من كونهم شخصيات، فيحركهم في أوضاع مختلفة ليجعل القصة تسير حيث يريد دون أن يكترث لسبب قيامهم بذلك.

يُعد فيلم “صراط” تجربة رائعة، خصوصاً الموسيقى الإلكترونية، المستخدمة بطرق مؤثرة باستمرار مع تقدم الفيلم، حيث تجذبك أكثر فأكثر إلى قلب الحدث، ويستخدم المصور السينمائي ماورو هيرسي المناظر الصحراوية وأشعة الشمس لخلق صور آسرة لا تُمحى، تجعل الصحراء اللامتناهية تبدو وكأنها جحيمها الخاص المنعزل عن بقية العالم.

إنها تجربة سينمائية أقرب ما تكون إلى “ماد ماكس: طريق الغضب”، إلا أنها تدور في مكان أقرب إلى العالم الحقيقي، حيث تتوالي الصدمات مع سلسلة من التقلبات المقرونة بالانفجارات في نهاية مفجعه، تطالبك برؤية الفيلم من الأول مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى