مصطفى العقاد في ذكرى رحيله الـ 20 .. صدى عالمي لا يغيب
وصل أميركا مع 200 دولار بعمر 18 عاماً وحقق حلمه في هوليود

«سينماتوغراف» ـ متابعات
«يا أمة العرب.. شيء من الغضب»، «إن كنا لا نعرف قيمة حضارتنا كيف سنوصلها للغرب». هي أجزاء من رسائل أحَب المخرج السوري العالمي الراحل “مصطفى العقاد” أن يوصلها للعالم العربي. قبل أن يودي بحياته تفجير إرهابي في العاصمة الأردنية “عمان” يوم 11 نوفمبر عام 2005 عن عمر ناهز الـ75 عاماً.
رحل العقاد لكن مقولته هذه بقيت خالدة ويعاد تكرارها في مجتمعنا العربي: «بإخراج فيلم أو فيلمين ما بتخلص قضيتنا.. قضيتنا بدها سنين بدها تخطيط إعلامي سينمائي منظّم».
ولد “العقاد” في 1 يوليو عام 1930 بمدينة “حلب”، رغم أنه ابتعد عنها، لكنه بقي مخلصاً لها. لم يكن يوّفر لقاء أو مقابلة صحافية ليسارع إلى ذكر مدينته، و الحديث عن جاره الحلبي “جون كليدس” مشغّل سينما “أوبرا” في “حلب”. الذي أدخله عالم السينما و هو مازال طالبا في الاعدادية، حيث كان يصطحبه إلى قاعة العرض المرتفعة، يشاهد الفيلم مرة ومرتين وثلاثة مجاناً. ما منح “العقاد” فرصة مراقبة جاره كيف ينسخ الفيلم ويقص المشاهد الجريئة منه ثم يعرضه.
من تلك الغرفة بدأ عشق العقّاد للسينما فكان العشق الذي لم يتوه أبداً.
خلال دراسة الثانوية، ردد “العقاد” دائماً أنه يريد السفر إلى “أمريكا”، ليصبح مُخرجا في “هوليوود”. في تلك المرحلة كان هذا الكلام بمثابة “المستحيل”، سخر منه رفاقه، لكن ذلك لم يوقف حلمه السينمائي، اشترى كتب متخصصة في مجال الإخراج و قام بدراستها قبل مغادرته إلى “أميركا”. التي وصلها وهو صبي بعمر الـ18 و في جيبه 200 دولار، من والده الذي عُرف بقساوة تربيته، وتعليم أولاده الأخلاق العالية والدين الاسلامي.
التحق بجامعة “كاليفورنيا” في “لوس أنجلوس” لدراسة “الفنون المسرحية” بالعام 1954. ثم نال الدكتوراه من جامعة “جنوب كالفورنيا” عام 1958، ليبدأ بعدها عمله في عاصمة السينما العالمية “هوليوود”.
أدرك ابن مدينة “حلب” منذ وصوله أمريكا، أن مهمته هي تعريف الغرب بالدين الاسلامي الصحيح والثقافة العربية العرقية. اكتشف كيف يمكن أن يخاطب العقل الغربي الذي كان عصيّا على أي خطاب عربي. فبدأ بإخراج فيلم “الرسالة” الذي يتحدث عن مسيرة ورسالة الرسول “محمد”، بلغتهم وممثليهم و تفكيرهم ومنطقهم، إنه يكلمهم فعلاً.
عاش “العقاد” معاناة طويلة للحصول على التمويل والموافقة للبدء بالتصوير، من موافقة “الأزهر” و”رابطة العالم الإسلامي” في السعودية. و “المجلس الشيعي الأعلى” في لبنان، حتى حصل على تمويل ثلاثي من الكويت و ليبيا والمغرب العربي.
وبعد الكثير من العقبات التي وضعتها “رابطة العالم الإسلامي” السعودية بوجه تصوير الفيلم. وتهديداتها المستمرة لملك المغرب “الحسن الثاني” بالقطيعة، في حال استمر تصوير الفيلم في الغرب، انتقل “العقاد” إلى ليبيا. يقول شقيقه زهير العقاد: «عندما شاهد الرئيس معمّر القذافي السيناريو كان جوابه «السعودية ترفض تصوير هذا الفيلم لماذا؟ لابد له أن يكتمل، لينهي العقاد تصوير الفيلم في الآراضي الليبية».

خرج فيلم “الرسالة” إلى الجمهور في مارس عام 1976 بنسختين واحدة بالعربية وأخرى بالإنجليزية. العربية من بطولة “عبد الله غيث” في دور “حمزة بن عبد المطلب” أما الإنجليزية من بطولة “أنطوني كوين” بنفس الدور. البطولة النسائية الممثلة السورية “منى واصف” في دور “هند بنت عتبة”، وأدت الممثلة العالمية “أيرين باباس” الدور نفسه في النسخة العالمية.
شكّل عرض الفيلم صدمة للعالمين العربي والغربي، بينما رفضته معظم الدول العربية وفي مقدمتها السعودية. رحّب به الجمهور الغربي، كونه الفيلم الأول الذي سرد حياة شخصية جدلية باتزان، بعيداً عن النَفَس الاستشراقي الذي يصاحب عادة أغلب الأعمال التي تتناول سيرة الرسول “محمد”. ولتستقبل دور السينما في السعودية ودول خليجية آخرى، فيلم “الرسالة” خلال عطلة “عيد الفطر” عام 2018. و يشاهده السعوديون لأول مرة على شاشة السينما بعد أكثر من 40 عاماً من إنتاجه، هو نصر حققه “العقاد” بعد وفاته بسنوات كثيرة.

بدأ “العقاد” في العام 1981 بإخراج فيلمه الثاني “أسد الصحراء” – “عمر المختار” lion of the desert من بطولة النجم “أنطوني كوين”. اختار العقاد شخصية عمر المختار، لأنه رأى أن معظم الثوار العرب ضد الاحتلال الأجنبي اختاروا المنفى إلا “عمر المختار” لم يوافق عليه. إنه فيلم يحاكي كل الثوار العرب في مختلف الدول العربية و منها فلسطين. رسالة إلى العالم العربي أراد أن يرسلها العقاد و أصر عليها، “يا أمة العرب.. شيء من الغضب”.
بعد مسيرة سينمائية حافلة، رحل العقاد عن الدنيا ليكون أحد ضحايا الإرهاب. تلك العلامة السوداء التي أراد أن يُبرء الاسلام منها عبر أفلامه التي تركزت بشكل أساسي على إظهار عظمة هذا الدين وإنسانيته، وتوفي في 11 -11- 2005 بمستشفى “المركز العربي” بعمّان متأثرًا بجراحه التي أصيب بها في التفجيرات. التي تبناها “تنظيم القاعدة” في بلاد الرافدين، بعد إعلانه في مؤتمر صحفي عقده في دولة الكويت أنه يفكر جديًا في إنتاج فيلم يحكي حياة زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”.
“العقاد” الذي لُقب بـ آخر الفرسان الذين خاطبوا العالم الغربي بصوت عربي صادق، كان قد وصل إلى الأردن في ذلك اليوم. لحضور حفل زفاف في العقبة، وبينما كان يستقبل ابنته “ريما” التي وصلت إلى الفندق لحضور الحفل مع أبيها. وقع الانفجار، توفيت هي على الفور، في حين أُصيب بجروح شديدة أدت إلى وفاته لاحقًا. مسدلاً الستار على حياة حافلة بالإنجازات، بينما كان عزاء كل من يحبه بعد رحيله أنه تمكن من تحقيق حلمه.






