إضاءات

«أنا رجُلُك»..  فيلم ألماني يرصد معاناة الوحدة في أحضان إنسان آلي

الجونة ــ  خاص «سينماتوغراف»

خارج المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته الخامسة، عرض الفيلم الألماني “أنا رجُلُك ـ I Am Your Man” للمخرجة والممثلة ماريا شريدر، وكان عرضه الأول في الدورة 71 من مهرجان برلين السينمائي، وفازت بطلته مارين إيغيرت، التي لعبت دور ألما على جائزة الدب الفضي وجائزة لولا لأفضل ممثلة، كما حصد الفيلم في مهرجان الأفلام الألمانية على جوائز في السيناريو والإخراج.

المخرجة ماريا شرايدر ممثلة ألمانية مشهورة، فازت مرتين بجائزة الفيلم الألماني وثلاث مرات بجائزة الفيلم البافارية. فيلمها الطويل الأول كمخرجة “حب الحياة” عُرض عالميًا للمرة الأولى في مهرجان فيستا ديلا سينما بروما عام 2007. أنجزت بعده “ستيفان زفايج: وداعًا لأوروبا” الذي عُرض عالميًا لأول مرة في قسم بيازا جراندي في مهرجان لوكارنو السينمائي، وفاز بجائزة الجمهور لأفضل فيلم أوروبي ضمن جوائز الفيلم الأوروبي عام 2017. عام 2020، أصبحت شرايدر أول مخرجة ألمانية تحصل على جائزة إيمي عن مسلسلها التلفزيوني ذي الحلقات المحدودة “هاربة من الماضي“.

أنا رجُلُك، فيلمها الجديد مبني على قصة تحمل نفس الاسم من تأليف إيما براسلافسكي،  وتروي حكاية عالمة ألمانية عزباء في متحف بيرجامون الشهير ببرلين. تعمل للحصول على منحتها البحثية لإتمام عملها، يتم إقناعها بالمشاركة في بحث استثنائي يشترط عليها أن تُمضي ثلاثة أسابيع مع إنسان آلي على هيئة رجل، مصمم وفقًا لشخصيتها واحتياجاتها، ويتمتع بذكاء اصطناعي يؤهله ليكون الرفيق المثالي لها.

هذه الحكاية كفيلة بصناعة العديد من المواقف الكوميدية بشكل كبير.

وبالفعل، الفيلم كوميدي رومانسي يناقش قضية التواصل الإنساني الآلي في أدق التفاصيل الحياتية. إلى جانب الإخراج، شاركت شريدر أيضًا في كتابة السيناريو مع جان شومبورغ، ويشمل طاقم الممثلين دان ستيفنز، ساندرا هولر، وهانس لو، وولفغانغ هوبش، وأنيكا ماير، وفاليلو سيك، ويورغن تاراتش.

من المؤكد أن هذا الموضوع ليس جديداً، لكن طريقة عرضه وسرده مختلفة هذه المرة لارتباطه بحالة العزلة والوحدة التي عاشها العالم كله بعد انتشار وباء كورونا، صحيح لم يتناول الفيلم الفيروس، لكنه ترجم معنى الوحدة، من خلال الباحثة أو العالمة ألمي التي فقدت جنينها ورحل عنها شريكها، وتعتني بوالدها الكبير بالسن المعتز بنفسه والرافض أي خدمة تقدم له، وفي المقابل هي تعمل في مركز للأبحاث، ومع هذا النموذج نعيش تفاصيل حياتها ونتتبع قصة معاناة إمرأة لا تريد أن تكون وحيدة في هذه الحياة.

الفيلم مدته “102 د”، يحتوي بالفعل على العديد من المشاهد والحوارات، التي يمكن تقليصها لصالح مزيد من الإثارة للعمل والتخفيف من بطيء إيقاعه، إلا أنه يعبر بإمتياز عن حياة البطلة وما فيها من خوف وتردد وارتباك، لكننا نراها في أحيان أخرى متمردة، وتارة أخرى بمشاعر متخبطة، تحاول جاهدة أن تؤكد طوال الوقت أنها لن تنجرف بمشاعرها تجاهه الروبوت الرجل، حتى لو كان من السهل الوقوع في حبه، فهو شخصية مثقفة، وسيم، كوميدي، والأهم قدرته على احتواءها كأنثى في لحظات غضبها وحزنها، ما يجعل المشاهد يتورط في دعم هذا الشكل من العلاقة، وكأنك تقول لألمى عليها إن تخوض التجربة، ولا تعيش وحيدة.

عنصر الكوميديا في الفيلم متمثل بشخصية توم وهو كما تم تعريفه في الفيلم بريطاني، ومن الممكن أن ذكر هذه المعلومة كي لا يتم التدقيق بطريقة نطقه للغة الألمانية، إضافة إلى أنه أجنبي الصنع، فكان لا بد من ذكر هذا التفصيل كي يكون كل شيء واضحاً،

الشخصيات الثانوية في الفيلم، أوجدها كاتبي السيناريو كي تضيف بعض الصخب وتزيد الإيقاع حركة، مثل مديرة توم في الملهى ومدير ألمي في العمل، وشريكها السابق، ووالدها وشقيقتها وابن شقيقتها الصغير، كل هؤلاء يدورون في فلك ألمي لكن لا أحد منهم استطاع أن ينقلها من وحدتها كما فعل توم، وحقيقةً أن أداء الممثلة ماري إيفرين اتسق بشكل متواز مع أداء دان ستيفنز، وكأن بينهما منافسة لتقديم الأداء الأفضل لعمل يمزج الحقيقة بالخيال، فيه من المشاعر ما يذيب المسافة بين البشر وما يقدمه الروبوت من احتياج إنساني.

ثمة حيلة في الفيلم، منذ المشهد الأول الذي من الصعب نسيانه، المتمثل بملهى يضج بالبشر والضحكات، والتقارب الاجتماعي، مشهد يبدو غير مألوف في زمن كورونا، وفي نفس الوقت يجعلك تدرك أن ثمة حياة كنت تعيشها وعليك أن تنتظرها، أما في ما يتعلق بفكرة الروبوت الذي سيعينك بوحدتك، فهو مخرج اختياري، يعيد فكرة التساؤل التي بدأها الفيلم، هل هذا بالفعل ما سيكون عليه شكل حياة الكثير مستقبلاً؟ أم أنها فرصة لمراجعة حياتك مرة أخرى، التي تم توظيفها من خلال مشهد مهم، حين كان توم في المقهى يستمع لضحكات صاخبة لفريقين ينظران إلى فيديوهات، ويتساءل عن سبب كل هذا الضحك، لتكون الإجابة عبر لقطات أرشيفية من تلك الفيديوهات حيث الناس يضحكون على آلام الآخرين، مشهد يوحي بالكثير، ويشي برسالة الفيلم التي أجهدها الحوار الطويل والممل أحياناً، والذي كاد أن يشوش على اللغة الشاعرية والسينمائية في الفيلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى